التعليق الرياضي والحاجة لعدم المزج بين اللغة الفصيحة والعامية
بنشملال ريدال – طالب باحث
لعل من أهم الأمور التي دفعتني إلى كتابة هذه الأسطر، أنني طالب باحث في الأدب العربي، وكوني مهتما باللغة العربية ودارسا لها، ومهتما بالرياضة عموما وكرة القدم خصوصا. وكما تعلمون إن الباحث لا يجب أن يقتصر مجال اشتغاله على تخصصه فقط بل يجب أن يتشعب في جميع أمور الحياة. وإن احتكاكي باللغة العربية، وكون هذه الأخيرة تراثنا، وذاكرتنا، فإن ما صرنا نعيشه في مجتمعنا أراه يدفع إلى القضاء على تراثنا وعلى ذاكرتنا، لماذا؟ لأننا في فترة وفي مجتمع أصبح يتنفس بالكرة، أصبح يعيش أفراحه في كرة القدم، أصبح يميل إلى الأماكن التي يجد فيها الفرح. ليس هذا موضوع مقالنا، ولا تنهالوا وراء الفرح. نلاحظ امتلاء المقاهي، وامتلاء الملاعب عن آخرها، أما عن شاشات الهواتف فحدث ولا حرج عليك…
أصبحنا نشاهد حالات عديدة في المدرجات كل هذه الحالات تصب في مجال الفرح كما أشرنا، شاهدنا شابا يتقدم لخطبة فتاة في المدرجات، وهذا يثير فينا غريزة السؤال، أليس هناك مناسبات أخرى لطلب الزواج من الفتاة؟ ألا يوجد منزل لهما؟ وأسئلة كثيرة أصبحت تراودني… وأصبحت أبحث لها عن أجوبة كثيرة. لكن أيها القارئ ليس هذا هو الموضوع الذي دفعني إلى كتابة هذه الأسطر.
إذن سأتساءل مكانك، ما الذي دفعني إلى كتابة هذه الكلمات؟
لا أخفيكم سرا وأنا أكتب هذه الكلمات أشعر بحالة من القلق والتوتر أكثر من الذي أشعره وأنا في المقهى، جالس على الكرسي أشاهد مباراة كرة القدم، لماذا هذا التوتر في نظركم؟ إني أشعر به خيفة أن لا تعبر هذه الكلمات عن ما يحز في نفسي، عما أشعر به من استفزاز عند سماعي للمعلقين الذين يعلقون على مباريات كرة القدم.
الآن أظن بأننا قبضنا على جزء من موضوعنا، وهو التعليق في مجال كرة القدم. ولكن هذا الموضوع سيلوح بنا إلى مواضيع أخرى سنعالجها في قادم المناسبات، إن شاء الله. أحيطكم علما، وبصدق، إنني أصاب بنوع من القلق، بل أكثر من ذلك بنوع من الاستفزاز، عند سماعي للغة ليست هي تلك اللغة التي تعلمناها من أساتذتنا منذ نعومة أظافرنا، ليست تلك اللغة التي تربينا بها بين الجدران الأربعة للمدرسة، وليست تلك اللغة التي فرحنا بها وحزنا بها، وليست تلك اللغة التي نقرأ بها، وليست تلك اللغة التي قرأنا بها تلالا من الكتب، وليست، وليست، وليست… قابلة للعد من هنا إلى بعد غذ.
إنها ليست لغة عربية بالنسبة لي، لماذا؟ ستتفقون معي؛ إنكم سمعتم المعلق مرات عديدة، وأنتم في المقاهي، ولكن هذا السماع يختلف بالنسبة إلينا. وستتفقون معي كذلك، إن المعلقين يمزجون بين العامية واللغة العربية، لكي لا نتهم أحدا، نقول ربما يكون ذلك المزج تلقائيا دون شعور، وربما جهلا لقواعد اللغة من ناحية وربما قصدا منهم كلها فرضيات بعيدة عن موضوعنا ولا دخل لنا فيها.
الآن سنترك العامية جانبا وسينصب موضوعنا على اللغة العربية. ولكن لست أدري هل ستتفقون معي حول الأخطاء التي يرتكبونها في كلامهم، أثناء تحدثهم باللغة العربية. لست أدري هل تركزون على ما يقولون أم لا؟ وكيف يقولونه؟ وهذه الأسئلة دعوة للعودة للشرائط السابقة وإعادة استماعها مع التركيز على اللغة العربية. أين إن وعملها، وأين الحال والمعرفة أما عن خبر كان فهو كان… إنهم يقومون برفسها وتقديمها لنا عبارة عن عصارة من العسل مع الحوامض لا تصلح للأكل ولا للدواء.
تعلمون لماذا ركزت على هذا الجانب ولم أركز على الجوانب الأخرى، رغم كون رغبتي ستنصب على الجوانب الأخرى لاحقا. ذلك لأن الكرة أصبحت شعبية، أفيون الشعب كما يسمونها، يتابعها الأجداد قبل الآباء، وتتابعها النساء قبل الأبناء… إذن هي محط اهتمام جميع طبقات الشعب. والطفل عندما يفكر في اللعب أول ما يفكر فيه هو لعب كرة القدم. وعودة إلى موضوعنا، أظن إن الكل يشاطرني الرأي في فكرة؛ إن المعلق يزيد من حلاوة المباراة، وتعلمون شعبية المعلقين المعدودين على رؤوس أصابيع اليد الواحدة، كلامنا على التعليق العربي طبعا. لا أود ذكر الأسماء ولكن الكل يعرفها والكل يستحضرها عند قراءة هذه الأسطر، والكل يعرف مدى تأثيرهم في متابعي كرة القدم، ونعرف صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنها تحتوي على ملايين المتابعين والمتابعات من جميع الطبقات. وإذا ذهبنا في جولة إلى الشارع وسنقوم باستجواب للشباب ونسألهم عن طريقة تعليق كل معلق على آخر، وأسئلة أخرى من قبيل: هل تحفظ شيئا من كلام هؤلاء المعلقين؟ ماهي جنسيتهم؟ على الأغلب سنتلقى إجابات مضبوطة ومتقاربة بين الجميع. نحن لا نضرب في سمعة أحد ولا نخص كلامنا من أجل الحديث عن أحدهم، بل نخوض في قضية تخصنا جميعا، ويجب على كل واحد غيور على لغته أن ينبه لهذه المسألة.
لنفترض جميعا: لو تكلم كل معلق بلغة عربية فصيحة ربما سيؤثر أكثر في الشباب. نترك هذه الفرضية ونتحدث في موضوع الشباب هذا. إن الشباب هو أمل المستقبل هو الأغصان التي تنبت عليها الأوراق التي تزيلها رياح الخريف، إنه تلك الغصون التي تبقى بعد الخريف تقاوم برد الشتاء وجليد الليالي، إنه الأساس الذي تبنى عليه العمارات المضادة للزلازل والرياح… لذلك فنحن الشباب الذي يجب علينا أن نحمل السلاح من يد أساتذتنا من أجل السير قدما بلغتنا، بلغة القرآن، بلسان العرب الذي ترعرع وربى جذوره عبر ربوع العالم وسافرت به أجنحة رفرفت به عبر هذا العالم، يجب أن نكون مثل هذه الأجنحة، يجب أن نمتثل لأمر أساتذتنا في الحفاظ على لغتنا والمساهمة في إغنائها… وعودة إلى مجال التعليق، ما دامت هذه الكرة أفيون الشعب، وما دام لا يمكن الاستغناء عنها لأنها تحمل أفراحا لهذه الطبقة كما يقولون، فسأعتبر هذا المقال دعوة، وإن بشكل أقل قوة مما هو مطلوب، للحفاظ على لغتنا العربية، في مجال التعليق العربي على الخصوص، وفي مجال الصحافة الرياضة عامة. لأن الشباب يتابعون مباريات عديدة وينصتون لكلام المعلقين، ويذهبون للمدارس ويطلب منهم مثلا في التعبير والإنشاء كتابة نص ما فتجدهم يعبرون بكلام المعلقين، هنا يتضح لنا تأثير التعليق على التلاميذ والشباب عند توظيفهم لتعابير المعلقين في كتاباتهم وفي كلامهم، بل أكثر من ذلك عندما يُطلب منهم قراءة نص ما، يقرؤونه بالطريقة التي يُعرض بها التقرير الرياضي، وإن كان هذا الأخير يُكتب بلغة عربية سليمة من الأخطاء في غالب الأحيان. فهذا المقال دعوة للمعلقين من أجل التعليق باللغة العربية الفصيحة وذلك من أجل التأثير في الشباب مادام منصبا على هذه اللعبة، أو التعليق بالعامية إذا استحال أمر التعليق بالفصحى، لكي لا يأخذ هؤلاء الأبرياء اللغة من أفواهكم مشوهة بهذا التعبير الأفصح ربما.