ذكرى وفاة لاعب الجيش هشام الزروالي تعيد للأدهان قصة بطل
في مثل هذا اليوم، قبل 14 سنة، وري جثمان الراحل هشام الزروالي الثرى، وسنوات بعدها ظل اسمه يتردد في مدرجات ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، خلال المباريات المهمة لفريق الجيش الملكي، إذ دأبت الجماهير العسكرية على ترديد اسمه، كلما عجز المهاجمون عن الوصول إلى مرمى الخصم، لكي يحفزوهم و”يديرو فيهم النفس”، على اعتبار أن الزروالي طالما أسعدهم بأهدافه، ويكفي أنه قبل ساعات قليلة من وفاته، كان وراء الهدفين اللذان فاز بفضلهما الجيش على الكوكب المراكشي في موسم 2004/ 2005، بعد صيام عن التهديف لعدة أسابيع،..أبى إلا أن يودع محبيه بالأهداف.
لم يكن صباح الأحد 5 دجنبر من العام 2004، عاديا بالنسبة لسكان حي يعقوب المنصور بعد انتشار خبر وفاة الزروالي، عشرات الآلاف من جماهير ولاعبي الجيش الملكي وبعض الفضوليين، تجمهروا حول منزل أسرته بحي المنزه، تضاربت الروايات حول سبب الوفاة، حيث طغت آنذاك فرضية تعرضه للسرقة بالقوة، إذ تقول الرواية إن قطاع الطرق حطموا واجهة السيارة الأمامية بصخرة، ما تسبب في انزلاق سيارته وارتطامها بشجرة في الطريق الرابط بين الرباط وتمارة، سيما أن أشياء سرقت من لاعب الجيش في مقدمتها هاتفه المحمول، وسلسلته الذهبية التي تعود تطويق عنقه بها، ومبالغ مالية وبعض محتويات السيارة، “أنا ما ندي تقليد ديال حتى شي حد، ماعرفنا واش سرقوه من بعد الحادثة، ولا الحادثة وقعات بفعل فاعل..ربي يحاسب الجميع يوم القيامة”، تقول والدته المكلومة بفقدان فلذة كبدها ومرضي عائلة الزروالي الذي غير حياة أسرته الصغيرة. وسط ضجيج المعزين، ارتفع صوت شيخ يسأل عن أم الهالك، تقدم منها وقبل رأسها ويدها وقال لها لا تحزني ابنك مكانه مع الأبرار في الجنة، استغرب الجميع من كلامه، لكنه طرد الدهشة حين أوضح أنه قبل سنتين من يوم وفاة هشام، كان ابنه يعاني من مرض مزمن في القلب وكان يتطلب عملية جراحية عاجلة تكاليفها تصل إلى 20 مليون سنتيم، تكفل بها الزروالي وأوصاه بعدم البوح لأحد، لكن العجوز أخل بالتزامه مع هشام لعل هذا الخبر يطفئ جمرة فراقه لدى عائلته ومقربيه.
صباح اليوم الموالي زارت أرملة الزروالي الشابة السكتلندية وابنته المركز الرياضي العسكري بسلا، وطالبت مسؤولي الجيش بآخر قميص لعب به زوجها، ذلك الصباح تحول مركز العساكر إلى مأتم كبير، فقد أبكت طفلته التي سألت عن أبيها، كل لاعبي الفريق، بل حتى أصحاب النياشين العسكرية لم يتمالكوا أنفسهم وذرفوا دموع الحسرة على فراق هداف الفريق بطريقة مفاجأة.
“كوايري” ولد ” دوار الكورة” يتحدر الزروالي أو “مارادونا “كما يلقبه سكان حيه، من أسرة فقيرة تتكون من 13 فردا، نشأ في الحي الصفيحي “دوار الكورة” بحي يعقوب المنصور، أحد أهم معاقل مشجعي الجيش الملكي، بدأ مساره مع فريق اتحاد الشرطة، قبل أن تصطاده أعين تقنيي الفتح الرباطي بعد مواجهة الفريقين في الأدوار التمهيدية لمنافسات كأس العرش، وفاز بكأس العرش مع الفتحيين سنة 1995 رفقة المدرب سعيد الخيدر رغم حداثة سنه، رفض مسؤولو الفريق الرباطي عرضا توصلوا به من طرف الفريق الثاني لبرشلونة الإسباني، الأمر الذي أثار استياء الزروالي الذي كان يرى في الاحتراف الوسيلة الوحيدة لانتشال أسرته من مستنقع الفقر والحاجة، غير أن انتظاره لم يطل كثيرا حتى حقق حلمه بعدما انتقل إلى فريق أبردين الاسكتلندي، وهناك التقى بزوجته التي رزق منها بطفلته أنيسة.
غصة بقيت عالقة في حلق الزروالي، الذي كان دائما يقول انه كان يتمنى لعب نهاية كأس العرش مع فريقه المفضل الجيش الملكي الذي طالبما شجعه من المدرجات أيام مراهقته، لكنه سيحقق حلمه بعد عودته من الإمارات حيث جاور لمدة قليلة فريق النصر، ليعزز بعدها صفوف الجيش ويظفر معه بلقبين لكأس العرش عامي 2003 و2004
. في سن 27 حقق الزروالي كل أحلامه، فعلى صعيد المنتخب الوطني، توج بكأس إفريقيا للأمم للشبان بمكناس عام1997 رفقة رشيد الطوسي وبلغ معه ثمن نهاية كأس العالم للشباب بماليزيا في السنة ذاته، كما لعب عددا من المباريات الدولية رفقة المنتخب الوطني للكبار.
العين حق: أول سيارة اشتراها الزروالي بعد تعاقده مع فريق الفتح، كانت في ملكية أستاذته السابقة، التي درسته في سلك الإعدادي، كانت سيارة متواضعة، وأبدت الأستاذة سعادتها لما وصل إليه تلميذها “الكسول”، فقد قالت له انه أحسن الاختيار بالتوجه إلى كرة القدم لأن هشام “ما كانش ديال القراية”. بعد احترافه في اسكتلندا، اقتنى هشام سيارة رياضية فارهة، كانت تثير انتباه المارة بسبب ندرتها وجمالها، طالما طالبته والدته بالتخلص منها لأنها حسب رأيها “كتجيب العين”، لكن حدسها صدق…وكانت تلك السيارة هي التي توفي داخلها في الحادثة.
الزروالي كان مشهود له بطيبته الكبيرة، رفض أن تبيع أسرته “براكتهم” بدوار الكورة رغم انتقالهم لشقة بحي المنزه، أولاد حييه الصفيحي القديم كانوا يتصيدون الزروالي لكي يلقوا عليه التحية، فتحية الزروالي لم تكن تقل عن 100 أو 200 درهم، وهذا ما يفسر الشعبية الكبيرة الذي ظل يحظى بها الزروالي، رغم مرور سنوات على وفاته، فجماهير الجيش ظلت لسنوان تصر على وضع قميص عملاق يحمل اسم الزروالي في المدرجات، ولا يزال اسمه يتردد في المباريات الكبيرة..”عسكري عسكري الله يرحم الزروالي”.