مدرب جنوب افريقيا من شبح الاقالة إلى بطل قومي
بدت أيام المدرب ستيوارت باكستر، معدودة مع منتخب جنوب إفريقيا بعدما اكتفى بفوز يتيم في دور المجموعات، ما وضع أحفاد نيلسون مانديلا في مواجهة مصر المضيفة في الدور ثمن النهائي لكأس الأمم الإفريقية، لكن النظرة إليه تبدلت جذريا بعدما أقصى منتخب الفراعنة وبلغ ربع النهائي للمرة الثانية فقط منذ 2002.
كان منتخب «بافانا بافانا» خارج حسابات التأهل الى ربع النهائي استنادا الى الأداء الذي قدمه في الدور الأول، حيث أكتفى بأن يكون بين أفضل أربعة منتخبات حلت ثالثة في المجموعات الست، بفضل رأسية بونجاني زونجو في مباراة الجولة الثانية ضد ناميبيا 1-0.
بدأ الحديث عن هوية المدرب الذي سيخلف الإسكتلندي البالغ 65 عامًا بعد معرفة هوية المنتخب الذي سيواجه «بافانا بافانا» في ثمن النهائي، مع وضع المهاجم الدولي السابق بيني ماكارثي، أفضل هداف في تاريخ المنتخب ومدرب كايب تاون سيتي حاليًا، كالمرشح الأوفر حظًا لخلافة باكستر الذي واجه الكثير من الانتقادات بسبب تكتيكاته المحافظة.
وخلافا للانطباع الذي أعطاه المهاجم ليبو موتيبا حيث قارن الحصص التمرينية للفريق بتلك المعتمدة في نادي برشلونة الإسباني، لم يقدم منتخب جنوب إفريقيا شيئا يذكر في دور المجموعات وحتى أنه لم يسدد بين الخشبات الثلاثة ولو لمرة واحدة في مباراتين من ثلاث.
وما زاد من حدة الانتقادات الموجهة الى باكستر، أنه التزم بابقاء ثيمبينكوسي لورش، أفضل لاعب في الدوري المحلي لموسم 2018-2019، على مقاعد البدلاء حتى مباراة الدور ثمن النهائي ضد مصر حين وجد نفسه مجبرا على إشراكه في ظل إيقاف ثيمبا زواني، فكان مهاجم أرولاندو بايريتس عند حسن ظن مدربه بتسجيل الهدف القاتل في مرمى الفراعنة قبل خمس دقائق على نهاية المباراة.
قال باكستر الذي حملته مسيرته التدريبية الى دوريات محلية مثل السويد، البرتغال، اليابان، النروج، تركيا، بعد الفوز المفاجئ على أصحاب الضيافة أن «الأمر الأهم على الإطلاق كان أن نلعب مباراة (نهاجم)، لا أعتقد أن مصر توقعت منا أن نلعبها».
وأردف «يقولون بأن اللاعبين الفارقة ليسوا أذكياء على الصعيد التكتيكي.. لكني أعتقد بأن اللاعبين أظهروا براعة، كانت المباراة رائعة».
اسكات المصريين
من المؤكد أن الحالة المزاجية الحالية في المعسكر الجنوب إفريقي عشية لقاء نيجيريا في ربع النهائي، بعيدة كل البعد عما كان عليه الوضع قبل خمسة أيام حين كان مصير المنتخب في مهب الريح بعدما اهتزت شباكه بهدف المغربي مبارك بوصوفة في الوقت القاتل من مباراة الجولة الأخيرة من دور المجموعات.
لكن منتخب «بافانا بافانا» الذي غاب عن النسخة الأخيرة عام 2017، أفاد من الصيغة الموسعة للبطولة حيث ارتفع عدد المنتخبات من 16 الى 24، للحصول على فرصة استثمرها على أكمل وجه وتسبب بصدمة 75 ألف مصري حضروا في ستاد القاهرة وملايين آخرين تابعوا مباراة ثمن النهائي من خلف الشاشات.
عشية المباراة ضد مصر، أعرب باكستر عن رغبته في اسكات المشجعين المصريين في ستاد القاهرة، معتبرا أن «اللعب ضد البلد المضيف ملهم… أعتقد أن الضغط سيكون عليهم لأن فوز جنوب إفريقيا عليهم سيكون كارثة وطنية، أما بالنسبة إلينا في حال لو فازت مصر فسيكون الأمر عبارة عن خيبة أمل كبيرة فقط».
ورأى أن «مهمتنا… أن نتسبب له ربما ببعض الاحباط… إذا تمكنا من تحقيق ذلك، سينفد صبر الجمهور بعض الشيء، اللاعبون المصريون سيشعرون بذلك على أرض الملعب. نعرف أن كونك البلد المضيف يمكن أن يكون أمرا جيدا، لكنه قد يشكل ضغطا كبيرا أيضا».
نجح الأسكتلندي في رهانه وقدم فريقه أفضل مباراة له وقضى على آمال محمد صلاح وزملائه بقيادة الفراعنة الى تكرار سيناريو 1959 و1986 و2006 حين توجوا بثلاثة من ألقابهم السبعة في البطولة على أرضهم.
مغامرة ثانية أكثر توفيقا
الفوز على مصر أنسى باكستر مغامرته الأولى الفاشلة مع المنتخب الجنوب إفريقي حين تسلم الإشراف عليه عام 2004 قبل الاستقالة في العام التالي بعد فشل التأهل الى مونديال 2006، والعودة الى فريقه السابق فيسيل كوبي الياباني الذي أشرف عليه قبل عقد من زمن.
عوضا عن التذمر أو الهروب من الأوضاع الصعبة التي رافقت تجربته الأولى مع الفريق الياباني بين 1995 و1997، صمد باكستر وتحامل على الصعوبات وقاد الفريق الى دوري الدرجة الأولى في تجربة تركت بصمة على رجل قاد بعد ذلك أي آي كاي السويدي للقب الدوري المحلي ثم المشاركة في دور المجموعات من مسابقة دوري أبطال أوروبا.
بحلول الوقت الذي استعانت به جنوب إفريقيا مجددا للإشراف على منتخبها للمرة الثانية عام 2017 بعد إقالة إفرايم “شايكس” ماشابا بسبب انتقاده علنا لرئيس الاتحاد المحلي للعبة داني جوردان، كان باكستر قد أضاف لقبين آخرين الى رصيده مع الفريق الجنوب إفريقي كايزر تشيفس عقب فترة عامين مع المنتخب الفنلندي.
كان المسؤولون يبحثون عن اسم أكبر من الأسكتلندي، لكن يُعتقد بأنهم عدلوا عن رأيهم بسبب المطالب المالية للفرنسي هيرفيه رينارد والبلجيكي هوجو بروس الذي قاد لاحقا الكاميرون للقب أمم إفريقيا 2017، وقرروا في نهاية المطاف تعيين باكستر بعد تأخير طويل.
لم يكن الاختبار الأول لباكستر موفقا، إذ أنهت جنوب إفريقيا الدور الثالث الحاسم من تصفيات إفريقيا المؤهلة لمونديال روسيا 2018 في المركز الرابع الأخير في مجموعتها بانتصار يتيم مقابل 4 هزائم وتعادل، لكن الوضع بدا أفضل في مستهل تصفيات أمم إفريقيا من خلال إسقاط خصمها المقبل نيجيريا على أرضها 2-صفر.
عاد الشك ليشق طريقه نحو باكستر بعد تعادل سلبي مخيب أمام سيشيل، وذلك بعد ثلاثة أيام على اكتساح الأخيرة 6-صفر في جوهانسبورج.
ووصلت جنوب إفريقيا الى الجولة الأخيرة وهي بحاجة الى التعادل أمام ليبيا لبلوغ النهائيات بعدما سبقتها نيجيريا قبل ساعات بفوزها على سيشل 3-1، لكن بيرسي تاو سجل مرتين وقاد بلاده للفوز 2-1، للتأهل ثانية خلف منافستها لمباراة الأربعاء في ستاد القاهرة.
ويأمل باكستر دون شك أن يثبت صحة الجملة التي أطلقها بعد المباراة الأولى ضد ساحل العاج 0-1 حين قال «أظهرنا بأننا ننتمي الى هذه البطولة بحسب اعتقادي، وأظهرنا أننا يمكن أن نكون خصما قويا للجميع».